إذا أراد الله أمراً فإنه يقول له كن فيكون ، فلماذا استغرق 6 أيام حتى يخلق السماوات والأرض ؟
أولاً : قد ورد في أكثر من آية في كتاب ربنا أن الله جل وعلا خلق السموات والأرض في ستة أيام فمن ذلك قوله تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش … ) الأعراف / 54
ثانياً : ما من أمر يفعله الله إلا وله فيه حكمة بالغة وهذا من معاني اسم الله تعالى ” الحكيم ” ، وهذه الحكمة قد يطلعنا الله تعالى عليها وقد لا يطلعنا ، وقد يعلمها ويستنبطها الراسخون في العلم دون غيرهم ، غير أن جهلنا بهذه الحكمة لا يحملنا على نفيها أو الاعتراض على أحكام الله ومحاولة التكلف والتساؤل عن هذه الحكمة التي أخفاها الله عنا ، قال الله تعالى : ( لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون ) الأنبياء / 23 ، وقد حاول بعض العلماء استباط الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام :
قال الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسيره ” الجامع لأحكام القرآن ” لآية الأعراف ( 54 ) ( 4/7/140 ) : ( … وذكر هذه المدة – أي ستة أيام – ولو أراد خلقها في لحظة لفعل ؛ إذ هو القادر على أن يقول لها كوني فتكون ، ولكنه أراد : أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور ، ولتظهر قدرته للملائكة شيئاً بعد شيء
وحكمة أخرى : خلقها في ستة أيام ؛ لأن لكل شيء عنده أجلا ، وبيّن بهذا ترك معاجلة العصاة بالعقاب ؛ لأن لكل شيء عنده أجلاً … ) ا.هـ
وقال ابن الجوزي في تفسيره المسمى بـ ” زاد المسير ” ( 3/162 ) في تفسير آية الأعراف : فإن قيل : فهلا خلقها في لحظة ، فإنه قادر ؟ فعنه خمسة أجوبة : أحدها : أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمراً تستعظمه الملائكة ومن يشاهده ، ذكره ابن الأنباري ، والثاني : أنه التثبت في تمهيد ما خُلق لآدم وذريته قبل وجوده ، أبلغ في تعظيمه عند الملائكة ، والثالث : أن التعجيل أبلغ في القدرة ، والتثبيت أبلغ في الحكمة ، فأراد إظهار حكمته في ذلك ، كما يظهر قدرته في قوله ( كن فيكون ) ، والرابع : أنه علّم عباده التثبت ، فإذا تثبت مَنْ لا يَزِلُّ ، كان ذو الزلل أولى بالتثبت ، والخامس : أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء ، أبعد من أن يظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق . ) ا.هـ
وقال القاضي أبو السعود في تفسيره عند آية الأعراف : ( 3/232 ) : ( … وفي خلق الأشياء مدرجاً مع القدرة على إبداعها دفعة دليل على الاختيار ، واعتبار للنظار ، وحث على التأني في الأمور ) ا.هــ ، وقال عن تفسير الآية ( 59 ) من سورة الفرقان ( 6/226 ) : فإن من أنشأ هذه الأجرام العظام على هذا النمط الفائق والنسق الرائق بتدبير متين و ترتيب رصين ، في أوقات معينة ، مع كمال قدرته على إبداعها دفعة لحكم جليلة ، وغايات جميلة ، لا تقف على تفصيلها العقول … أ.هـ
وبناء على ما سبق اتضح أن الله جلت قدرته وعَظُم سلطانه له مطلق القدرة ، ومنتهى الإرادة ، وكمال التصرف والتدبير ، وله في كل خلق من خلقه حِكم بليغة لا يعلمها إلا هو سبحانه ، وكذلك اتضح لك بعض الحِكم والأسرار في خلق المولى سبحانه وتعالى السموات والأرض في ستة أيام ، مع أنه قادر سبحانه أن يخلقها بكلمة ” كن ”