غير مصنف

فطنة وذكاء القاضي العادل

كان في بغداد قاض اشتهر بين العامة بالفطنة والذكاء والعدالة، الوالي أن يعرف حقيقة الأمر ويكتشف بنفسه إن كان ذلك مما يشيعه الناس أم هو فعلاً كما يقال عنه.

فتنكر الوالي في زي تاجر وامتطى حصانه واتجه نحو أحد الأسواق، وفي الطريق اقترب منه شحاذ وطلب منه صدقة، فتصدق علیه، وأراد أن يواصل رحلته إلا أن الشحاذ تشبت برداء الوالي فساله: ماذا تريد؟.

فأجاب: اشكرك لانك تصدقت عليّ، لكنني أطلب منك أن تقدم لي معروفاً بأن أركب معك الحصان، وتوصلني حتى الميدان.

سمح الوالي للشحاذ أن يركب خلفه، وما أن وصلا إلى الميدان رفض الشحاذ أن ينزل عن ظهر الجواد.

قال له الوالي: لم أنت جالس؟ انزل عن ظهر الحصان.

رد الشحاذ بتعجب: أنزل! ولماذا انزل لماذا؟ هذا حصاني وعليك أنت النزول عنه

تجمع حشد من الناس حولهما فيما هما يتشاجران، فصاحوا: هيا اذهبا إلى القاضي، فهو الذي سيحكم بينكما.

ذهب الوالي مع الشحاذ إلى القاضي، وكان في المحكمة حشد من الناس، نادي القاضي على الذين جاءوا للفصل في قضاياهم كل حسب دوره، وقبل أن يحين دور الوالي والشحاذ، نودي على رجل يعمل في مجال التعليم، له خصومة مع احد الفلاحين، إذ ادعى كل منهما أن المرأة التي تقف معهما أمام القاضي هي زوجته.

فاستمع القاضي وصمت قليلا ثم قال: اتركا المرأة عندي في المحكمة، أما بالنسبة لكما، فاحضرا غدا.

ثم نادى المنادي على القضية الثانية، وكانت خصومة بين بائع الزيت وجزار، حيث امسك الاول بيد الثاني وفيها نقود، مدعيا انها نقوده وان الجزار حاول سرقته.

قال الجزار: لقد اشتريت من هذا الشخص بعضا من الزيت، وحينها أخرجت من جیبي حافظة النقود لأدفع له ثمن الزيت، إلا أنه أمسك بيدي و أراد أن يخطف كل ما معي من نقود، لكني أؤكد لك سيدي القاضي أن هذه النقود نقودي، وهو اللص.

قال بائع الزيت : هذا غير صحيح، لقد حضر الجزار لشراء بعض الزيت، وعندما كنت أملا له قسط الزيت، طلب مني أن أفك له بعض النقود، فأحضرت له النقود ووضعتها على المنضدة فأخذها وأراد أن يهرب بها فأمسكت بيده وأحضرته إلى هنا.

صمت القاضي ثم قال: اتركا النقود هنا واحضرا غذاء.

ثم جاء دور الوالي فحكى للقاضي حكايته مع الشحاذ.

وبعد أن سمع منه، طلب من الشحاذ أن يدلي بأقواله فقال:

هذا ليس بصحيح. كنت في طريقي إلى المدينة ممتطيا جوادي، بينما كان هو جالس على الأرض فطلب مني أن أقوم بتوصيله إلى المدينة فركب معي على ظهر الجواد وأوصلته حيث كان يريد، لكنه رفض أن ينزل عن ظهر الجواد وقال إن هذا جواده.

فكر القاضي وقال لهما: اتركا الجواد هنا واحضرا غداً.

وفي اليوم التالي حضر حشد من الناس للاستماع إلى أحكام القاضي، فقال للتاجر الذي هو الوالي، حكمت بان الجواد لك له فخذه.

وحكم على الشحاذ بخمسين جلدة..

لاحظ القاضي وهو في طريقه إلى منزله بعد خروجه من دار القضاء، أن التاجر (الوالي) كان يتتبعه، فنادى فسأله: ما خطبك، ألم ترض بقراري الذي اتخذته؟.

قال الوالي : أود أن أعرف كيف استطعت أن تجزم بأن المرأة هي زوجة المعلم وليست زوجة الفلاح، وأن النقود تخص الجزار ولاتخص بائع الزيت، وأن الجواد جوادي وليس جواد الشحاذ.

قال القاضي: طلبت من المرأة أن تسكب الحبر في المحبرة، فقامت بتنظيف المحبرة ثم صبت الحبر فيها بسرعة وحنكة، فاتضح لي أنها تعودت على أن تفعل هذا الشيء، وأن هذا العمل ليس بغريب عليها، فلو كانت زوجة الفلاح ما استطاعت أن تقوم بهذه المهمة.

أما بالنسبة للنقود فقد عرفت صاحبها الحقيقي، حين وضعتها في كوب من الماء، وأمعنت النظر في الماء للتأكد من ظهور زيت على سطحه، فإذا كانت هذه النقود تخص بائع الزيت فلابد وأن تكون بها آثار من يد البائع، لكنه لم يظهر على سطح الماء أي أثر للزيت، ولذلك فالجزار على حق في دعواه.

أما موضوع الجواد فأنا حين أصحبتكما إلى إسطبل الخيل، فقد اقترب الحصان منك والتفت اليك حين اقتربت منه، وحينما لمسه الشحاذ بيده، تضايق الجواد ورفع رجله عن الأرض، وبذلك عرفت صاحب الجواد الحقيقي.

عندئذ كشف الوالي للقاضي حقيقة الأمر، وشكره وأثنى عليه كثيرا.

موقع كامسترو للسياحة العالمية من أفضل المواقع فى مجال السياحة انصح بزيارتة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى