عمار وعلقم – قصة خيالية
قصة عمّار الجزء الرابع
….إستدار عمار بشكل كامل باتجاه دليلة وراح ينظر إليها وهو مندهش بعدما سمع ماقالته فسألها مستغربا انت زوجة ذلك الشخص الذي يخاف منه أهل القرية والذي يعتقدون أنه انا ؟
أجابت نعم ولذلك إستطعت أن أدرك انك لست هو في بداية عندما سمعت صراخ أهل القرية وهم ينادون بأن ممسوخ قد عاد ويجب أن تختبؤ منه أصابني خوفا شديد وتملكني نفس الإحساس الذي كنت أعيش معه
جال في خاطري أكثر من سؤال وقلت في نفسي كيف لشخص قد دفنته بيدي أنا ان يعود للحياة بعد كل هذه مدة يستحيل ذاك طبعا ثم تذكرت أن علقم كان بصورة شيطان حقيقي ويمكن ان يظهر في هيئة أخرى ويعود
ذهبت راكضة الى نافذة ونظرت منها وشاهدتك انت في ساحة تقف وتنادي على جميع من وهلة الأولى أعتقدت فعلا انك انت لكنك طباعك الهادئة هي من ميزك عنه
فلا يعقل ان يقف علقم بذلك الشكل هادئ ويترجى الناس ان تأتي اليه وتسمعه .صحيح انك تشبهه الى حد بعيد ولكنك تختلف عنه في طباع
فعاد عمار يسألها مرة أخرى قائلا : يقول ان زوجك كان غولا وممسوخ وقلت لي انت أنه على هذا الحال منذ ولادته فإسمح لي بهذا سؤال كيف قبلتي ان تتزوجي بشخص منبوذ ومرفوض من قبل الجميع بصراحة أرى ذلك الامر غير منطقي
ضحكت دليلة وقالت : لانني أنا ايضا كنت مرفوضة ومكروهة من قيل الجميع هل تعلم ان كل أهل هذه القرية يعرفون بعضهم بعض وتربط بين أغلبيتهم صلة قرابة ماعدا انا؟
لقد جئت منذ زمن الى هذه القرية ولا أحد يعرف اهلي ولا أصلي حتى أنا لا أدري من يكون أهلي وكلما أذكر ان إمراة عجوز جاءت بي الى هذه القرية وانا فتاة بعمر عشر سنوات ونشأت عندها وتكفلت بتربتي ثم بعد فترة من زمن ماتت وتركتني وحيدة في البيت واصبحت مطمعا لمعظم شباب القرية
لم يتقدم إلي أحد لزواج سوى أمجد الذي يطلقون عليه لقب عقلم فلم يكن بيدي خيار اخر سوى الموافقة عليه لا أنكر أني كنت أشعر معه بالامان والخوف في نفس وقت الامان من حيث ان كل طلباتي مجابة من قبل اهل القرية ولا أحد كان يجرؤ ان يتحدث معي بكلمة واحدة او يغلط معي
والخوف بأنني أعيش مع رجلا تسكنه أرواح شيطانية وكل يوم أرى المنكرات التي كان يفعلها مع اهل القرية ومعي ويمكن ان ينقلب علي في أي لحظة كانت حياتي صعبة معه ومع ذلك كان هو أملي وحيد
فعاد عمار يسألها قائلا : لما لم نجد جثته في مقبرة هذا الصباح فهل انت من نقلها الى مكان أخر .؟
سكتت دليلة قليلا ثم قالت لم انقلها الى اي مكان بل أحرقتها
إستغرب عمار من كلام دليلة وبدأ ينظر إليها بتعجب قائلا :
حرقتها ولماذا ؟
فأجابته على فور بقولها :كنت تلك وصية علقم هو من طلب مني ذلك قبل ان يموت بأن احرق جثته.
تنهد عمار بعمق ثم قال : وكيف مات علقم ؟
فقالت دليلة شارحة : طريقة موته كانت غريبة جدا ومرعبة لقد كان في الآونة الاخيرة يشاهد اشياء أمامه تحصل كان يتقاتل مع أشخاص لا يراهم أحد سواه ظل في ساحة عامة يصرخ ويلوح ويضرب بيديه في الهواء كان يصارع الخيال ثم دخل عندي الى بيت وملابسه ملطخة بالدماء وقال لي بأنه قد قتل كبيرهم وهم قادمون اليه من أجل قتله
لم أفهم ما كان يقصد ولم أشأ ان أساله عن ذلك خشية ان يضربني كعادته ثم اوصاني بأنهم اذا تغلبوا عليه وقتلوه بأن أحرق جثته بعد ثلاث أيام لانهم سيخرجونها من القبر ويأخذونها معهم الى واد الجن في مملكتهم
ثم فجأة بدا المنزل يرتج والاواني تتساقد وكان باب يطرق بقوة يكاد يتحطم وكان علقم يقف خلفه وهو يسنده بيديه وجسمه حتى لا يدخلوا اليه وكنت انا أصرخ وانادي بأعلى صوتي دون أن أعرف ما يحصل ثم تمكنوا من تحطيم الباب
وشاهدت رمحا طويلا يغرس في صدر علقم ويخرج من ظهره وبدات الدماء تغطي مكان وبعد قليل هدا كل شيء ورأيت جثة علقم ممدة أمامي
حتى أهل القرية رفضوا ان يغسلوه او ان يذهبوا في جنازته
فقد تكفلت بكل شيء وحدي وسحبت جثته الى مقبرة ودفنته في مكان بعيد عن قبور الآخرين وحينما عدت الى منزل وجدت الناس تقيم أفراح وهي سعيدة بموت علقم ولم اعرف حينها ماذا أفعل هل اشترك معهم في فرحة ام أعود الى بيت واكمل عدة حزن كأي أرملة حزينة على موت زوجها
فهم عمار كل قصة و أدرك ماهو سبب محنته هذه فقد وقع ضحية تشابه بينه وبين شخصا كان منبوذ ومكروه من طرف الجميع فقد كان علقم هو شبيهه الذي وجده في هذه القرية وورث منه نفس شعور الذي كان يعامل به من طرف الجميع
فسألها قائلا : حسنا واذا كيف ستساعديني على الخروج من هذه ورطة هل ستشهدي أمام الجميع بأنني لست أنا هو زوجك وتخبريهم بالحقيقة ؟
إبتسمت دليلة إبتسامة عريضة حتى كادت تبرز أسنانها بيضاء من تحت ضوء مصباحها يدوي وقالت : لا بل جئت أريد منك ان تمثل أمام الجميع بأنك انت هو زوجي وانك انت هو علقم الذي يعرفونه ….
عمار…………..
…….. صعق عمار من كلام الذي أخبرته به دليلة زوجة علقم والح ينظر اليها مستغربا مما تتقول فهو كان يأمل ان يجد عندها حلا يخرجه من هذا المأزق الذي هو فيه فأذا بها تريد ان تغرقه أكثر وتأكد للجميع انه هو ذلك الشخص الذي يخافون من الاقتراب والحديث معه
فسألها قائلا : هل جرى لعقلك شيء يا امرأة انا اريدك ان تخلصني من هذه ورطة وانت تريدين ان أجازف بنفسي وأقول لهم اني انا هو ذلك ممسوخ الذي كنتم تخافون منه ماذا الكلام الذي تقولين وكيف خطر في بالك هذا شيء ؟
فقالت دليلة محاولة ان تبين له الامر وتشرح وجهة نظرها حاول ان تهدأ وتركز جيدا في كلامي ان هذا هو حل الوحيد الذي يضمن لك ان تخرج من هنا وتسترد كرامتك من هؤلاء الذين ظلموك واهانوك واهانونني
إن إعتبارك علقم بينهم يعني انك تملك سلطة مطلقة وسيادة والهيبة والجميع يحسب لك الف حساب ولا أحد يقف في طريقك واي شخص تطلب منه شيء سينفذه لك في الحال
ولن يرد لك طلب ثم إن مسألة خروجك من القرية هي مسألة وقت فقط وتستطيع ان تخرج منها متى تشاء ولكن بعد ان تلقن الجميع درسا لن ينسوه
فأجابها عمار وهو معترضا على كلامها وقال : ومن قال لك اني اريد ان أنتقم من اهل القرية او انني أفكر في إنتقام أساسا كل ما يهمني الان هو ان اعود الى المنزل ولا اريد ان أتورط معهم بشيء اخر
لم يثني هذا الكلام من عزيمة دليلة في إقناع عمار بتمثيل دور علقم زوجها فقالت محاولة من جديد : افهمني جيدا يا عمار مسألة ليست مجرد إنتقام فقط هناك مصلحة قد نجي منها ارباح وتعود الى بيتك وانت محملا بالمال والذهب
قد كان علقم يفرض على ناس ان يدفعوا له أموال و كل شيء ومن نساء كان يأخذ خواتم وصيغ وسلاسل ذهب فإن انت مثلت هذا الدور لفترة قصيرة ستعود الى منزلك وانت محملا بالارباح والذهب الى مكان اخر
وتعيش فيه بعيدا عن هذه القرية ثم المال والذهب الذي عندي والذي أحتفظ به من ايام علقم سيساعدنا انا وانت في إنشاء مشروع مهم ونصبح اغنياء فكر جيدا ولا تضيع الفرصة
راح عمار ينظر اليها وهو غير مصدق أنها تلك المراة التي جاءت مستعطفة معه وتحاول ان تساعده فإذا بها تنقلب إلى شخص اخر يحاول ان يستغله لاطماعها الخاصة
هنا قد توضحت أمامه صورة جيدا وعرف لماذا علقم تزوج هذه المرأة فلم يكن كل ذلك بصدفة ولكن كما يقال الطيور على أشكالها تقع فسألها قائلا : اخبريني صدق يا دليلة هل كنتي تحبين هلقم هل كنتي تتمني انه لم يمت فعلا وظل حي الى الان ثم لماذا تريدي ان تجعلي مني لصا يساعدك في نهب ارزاق الناس ويتطاول عليهم
سكتت دليلة برهة ثم أجابته قائلة : مسألة انني كنت أحب علقم ام لا فسأقول لك بكل صدق أنني أحببته نعم أحببته ولا تستغرب من كلامي هذا لانه الوحيد الذي منحني الثقة والامان في هذه القرية وكان الظل الذي أعيش تحته
حتى وان كان شيطان وغولا فهو يظل زوجي والذي حماني من ظلم وتنمر اهل القرية وجعل لي مكانة بينهم اما إذا كنت اريد ان أجعل منك لصا وسارقا فلا تفهمني من هذا جانب
انا مستعطفة معك واريدك ان تخرج من هنا وتعوض الايام التي قضيتها في النوم في العراء وتعوض تعذيب النفسي الذي تعرضت له هنا صدقني انها فرصة العمر ويجب ان تفكر فيها مليا وتعيد حساباتك من جديد
انا سأتركك الآن وفي الغد مثل هذا الوقت سأتي اليك واسمع منك جواب نهائي
وقبل ان تنهض دليلة من مكانها سألها عمار قائلا ولنفترض اني لم أوفق ماذا يمكن ان يحدث ؟ .
إبتسمت دليلة إبتسامة خبيثة وقالت : لا شيء وان جاء اهل قرية يسألونني من يكون هذا سأقول لهم انك زوجي وستقضي بقية حياتك هنا منبوذ من طرف الجميع
وتنام في خرابات ولن تخرج طوال عمرك من هذه القرية تذكر كلامي وفكر جيدا في ما عرضت عليك
عمار…………..
…… ذهبت دليلة وتركت عمار غارق في مصيبة جديدة لم يكن يحسبها فحتى الامل الذي ظن انه قادم لم يكن الا سراب يريد ان يضلله اكثر ويغرق به في حيرة ويأس لكم تمنى انه لم يأتي الى هنا وظل في بيته وكف نفسه عناء
كل هذه مشاكل ولكنه النصيب والقدر وحتى تكتمل معه اكثر وجد له توأم هنا ذو تاريخ اسود في طريق واصبح هو يحمل ذنوبه فوق اكتافه ويعيش بها دون اي ذنب
وضع رأسه على حقيبته وحاول ان ينام ولكن النوم لم يعد يأتيه وسط هذه الكوراث والمصائب المتلاحقة وظل طوال الليل يقلب أفكاره ويحاول ان يصل الى حل أخر الى ان سمع صوت أذان الفجر ينادي من مأذنة القرية فنهض للصلاة لكنه تذكر حادثة التي وقعت له مع إمام مسجد
فقرر ان يعود الى مكانه والا يذهب ولكنه تذكر مقاولة كان يقولها جده عن حكايات الجن والشياطين بأنها لا تدخل مساجد ولا تقترب منها فهل يعقل ان يكون إمام مسجد لا يعرف هذه المعلومة ايضا ولماذا لم يلاحظ عليه ذلك
فنهض مرة اخرى وقرر ان يذهب فإذا وجده إمام هناك سيقتنع بأنه ليس كما يتصور
توجه عمار مسرعا الى مسجد قرية فوجد إمام يجلس وحيدا منتظرا الناس للصلاة وكان يجلس بشكل هادئ ولم يتوتر او يضطرب عند رؤيته حينما دخل من باب مسجد وكانه كان يتوقع قدومه فإستغرب عمار من ذلك وراح يقف منتظر ردة فعل إمام لكنه أشار إليه بيده وقال تعالى يا عمار إقترب
تقدم عمار بخطوات متثاقلة وهو غير مصدق ان امام المسجد ينادي عليه باسمه ولم يصفه بالملعون وممسوخ كما حدث في المرة السابقة وانه ربما قد أدرك بأنه ليس ذلك الشخص الذي يعتقده الجميع
أحس بأن الروح والسعادة قد رجعت له وأنه اخيرا قد زال عنه غمام الحيرة واليأس فوقف بالقرب من إمام المسجد وهو ينظر إليه بنظرات الامل و خلاص مما هو قادم إليه به فأشا
ر له بأن يجلس أمامه فأنزل عمار بركبته على الارض ووضع فخذيه على ساقه وجلس وهو ينتظر الى ما سيقوله له
فأدخل إمام يديه في جيب عباءته واخرج منها مفتاح وقدمه الى عمار قائلا : هذا مفتاح منزلي الذي يقع خلف المسجد من هنا تذهب اليه وتستحم وتغتسل وتتناول إفطارك وتصلي الفجر في البيت وبعد ان أكمل صلاة بالناس سأتي اليك وأحدثك في موضوع مهم
تحرك الان قبل ان يأتي مصلون يرونك هنا اخرج من باب الخلفي للمسجد وستجد منزلي مباشرة أمامك أدخل ولا تخف فلا يوجد هناك أحد
أخذ عمار مفتاح من يد إمام وذهب مسرعا الى منزله وفتح باب فوجد طاولة بها طعام إفطار الصباح ينتظره وكأنها كان معدة له مسبقا إستحم واغتسل وبعدها صلى صلاة الفجر وتناول طعامه وقبل ان يكمل إذا بباب المنزل يفتح ويدخل منه إمام مسجد
فلم يتحدث إليه بل توجه مباشرة باتجاه غرفة اخرى وقضى هناك بعض الوقت ثم عاد الى عمار وجلس بالقرب منه وقال :
أعتذر منك يا بني لانني طردتك ذاك اليوم من مسجد
فأنا كنت اعتقد بانك ذلك الملعون الذي مات قبل خمس سنوات ولا أنكر أنه بينك وبينه شبه كبير الى درجة ان كل من يراك يعتقد انك هو
َإعتدل عمار في جلسته ثم إلتفت ناحية إمام وقال : لا عليك يا حضرة إمام حصل خير ولكن كيف ادركت الان بأنني لست انا هو ؟
فأجابه إمام قائلا : لقد شككت في موضوع بعدما رأيتك تدخل المسجد وانت تحمل هيئة إنسان محترم ومعتدل وهو في بيت الله وقلت في نفسي بأن هذا سلوك لا يمكن ان يكون في شخصاً لايصون حرمة مقدسات وشرائع
ثم ان ذلك الملعون لم يقترب يوما من مسجد ولم يدخل اليه بينما انت كنت تدخل اليه ولا يبدوا عليك الارتباط والوجل حتى نظراتك وانت تحدث الناس كانت توحي بأنك صادق لذلك إطمنئت اليك وقلت يخلق من شبه أربعين ..
ولم أشاء ان اخبر الناس بحقيقتك حتى أتاكد جيدا من تكون واليوم حينما جئت عندي الى مسجد قلت أعتذر منك في بداية وبعدها سيعرف الناس حقيقتك .
أطرب هذا كلام قلب عمار وأحس بالسكينة والسعادة وكانه بات من أمنين وأسترد ثقته بنفسه وقال : اخبرني ياحضرة إمام هل كان لعلقم أهل في هذه القرية ام أنه غريب عنها ؟
فسكت الإمام قليلا وقال سوف أخبرك بقصة علقم لاكن ليس الآن حتى الغد
لمتابعة القراءة اضغط على الرقم 5 في السطر التالي