قصص

قصة من قبل أن أعرف مَن سيكون زوجي كرهته

قصة من قبل أن أعرف من سيكون زوجي كرهته الجزء الأخير

لم تمضِ ربع ساعة حتى سمعت طرق الباب ، فهرول نزار لغرفتنا مذعوراً وهو ينادي حبيبتي ، حاولت أن أتوقف عن البكاء بشق الأنفس ثم قلت له :

-لم يكن هناك داعٍ لقدومك ، كنت أشعر بالحزن والطريقة الوحيدة لأن أرتاح هي أن أبكي .

اتّسعت حدقتا عينيه من الدهشة وهو يقول :

-ياعمري ، الطريقة الوحيدة لترتاحي هي أن تخبريني بسبب حزنك لنجد الحل معاً .

مقالات ذات صلة

رمقته قائلة :

-لم يعد هناك حلول .

-أنتِ أخبريني بسبب حزنك ودعيني أفكر ، ربما هناك حل ما غائب عن ذهنك.

فأخبرته بالتفصيل بدءاً من إجبار والدي لي على ترك الدراسة ، انتهاءاً برؤية أخته عائدة من المدرسة والمعهد ، وأنَّ ذلك كان كافياً بتذكيري بألمي وحبي للدراسة التي حُرمت منها عنوة عني .

فعانقني قائلاً :

-يا نبض قلبي ، عانيتِ كل تلك الأشهر لوحدك بدون أن تشاركي همومك لأحد ولا حتى أنا ، الحل موجود يا عزيزتي؛ بعد بضعة أشهر سيتم فتح باب التقديم لطلاب الشهادة الثانوية الذين ليسوا بالمدارس ،

وسنذهب سوياً لكي نقدم لكِ ثم أقوم بتسجيلك بذات المعهد الذي درست به أختي ، ولأنَّ ثانويتك أدبية فأرجو أن تدخلي كلية الحقوق ، فطالما رجوت أن أكون محامي في طفولتي ، لكني كنت كسولاً جداً

وأكره الدراسة، وعندما نجحت في الثانوية بمعدّل لم يسمح لي بالدخول لأي كلية أو حتى معهد متوسط ، قررت أن أتجه للعمل مع أبي .

كادت أن تتمزق جفوني من صدمة ما قال ، فقلت له:

-هل تمزح أم تقول ذلك لي من باب المواساة لا أكثر؟! .

ابتسم قائلاً:

-بالطبع أنا جاد ، وعند التقديم سترين ذلك .

عانقته بشدة ودموع الفرح تنهمر على وجنتاي وأنا أتشكره ، وفجأة تذكرت أبي فقلت له :

-ربما يرفض أبي أن أقدم الثانوية

فابتسم وعانق كلتا يداي بيديه، قائلاً :

-لا أحد لديه الحق بمنعك عن الدراسة ولا حتى والدك ، طالما أنّي بجانبك.

حينها شعرت بالأمان الذي افتقدته بقرب والدي .

انتظرت مرور الأشهر بفارغ الصبر ، إلى أن فُتِح باب التقديم فقال لي:

-حبيبتي غداً في الصباح الباكر سنذهب لتسجيلك .

حلَّق قلبي فرحاً ، وبعد أن انتهينا من التسجيل قلت له مازحة :

-هل لك أن تصفعني ، لأتأكد أني لا أحلم .

فضحك قائلاً:

-بعد أن نتناول الغداء في المطعم ونعود إلى المنزل ستعرفين أنك في الواقع .

ابتسمت وأنا أتسائل في نفسي عن قصده ، وما إن دخلنا حتى رأيت والديه وأخته ووالدي بانتظارنا ، فانقبض قلبي خوفاً من أنَّ هناك شجاراً سيحصل بسبب دراستي ، لكن تقدم أبي وقبّل رأسي قائلاً:

-أتمنى لكِ التوفيق والنجاح، أرأيتِ أني أدرى بمصلحتكِ عندما زوّجتك الرجل المناسب.

ثم صفقوا جميعهم ، فعانقتهم واحداً تلو الآخر ، وما إن جلسنا حتى أحضرت أخت زوجي الموالح والحلويات والمشروبات الغازية قائلة :

-بدون أن تتحدثي عرفنا أنّ هذه الأنواع مفضلة لديك ، وأمي طبخت لك كل المأكولات التي تحبيها .

حينها شعرت بالمودة إلى جانب الأمان ، فنظرت إلى وجه زوجي وقلت في قرارة نفسي:

-أشعر أني أراكَ أوسم رجال الأرض.

لم تفارق الابتسامة وجهي طوال أشهر دراستي ، غير أنّ أم زوجي لم تكلّفني بالأعمال المنزلية الكثيرة كما تفعل أمهات الأزواج ، فقد كانت حنونة كأمي ، وفجأة بدون أن أعي ناديتها بأمي ، فعانقتني بحرارة ثم قالت :

-لطالما انتظرت أن تقوليها طواعيةً من قلبك .

ظهرت نتائج نجاحي ، ودخولي كلية الحقوق ، فأقام نزار احتفالاً كبيراً دعا إليه كل الأقارب ،وباليوم الذي رافقني به للتسجيل بالكلية قلت له:

-من قبل أن أعرف من سيكون زوجتي كرهته ، وبعد أن عرفته أحببته من صميم قلبي .

فعانقني قائلاً :

-أما أنا فأحببتك من الليلة التي أصبحتِ بها زوجتي .

نجحت بتفوق سنة تلو أخرى إلى أن تخرجت بمعدل ممتاز ، فقلت في قرارة نفسي :

-يجب أن أوقف حبوب منع الحمل ، فحان الوقت لأُفرِح قلبه وقلوب عائلته بمولود .

ذهبت إلى الطبيبة النسائية فقالت لي :

-استمريتي سنوات على هذه الحبوب التي تضمن العقم بنسبة مئة بالمئة .

كادت أن تنهمر دموعي وأنا أقول :

-لكني كنت مضطرة أن آخذها كيلا تتأثر دراستي .

-عزيزتي ، أحياناً عليكِ أن تدفعي ثمناً باهظاً للحصول على شيء ترغبيه بشدة ، وفي حالتك كان الثمن أمومتك.

خرجت من العيادة وانا أبكي طوال الطريق ، فذهبت إلى متجر نزار، وما إن رآني حتى قال بذعر وهو يمسح دموعي:

-هدّئي من روعك وأخبريني ما حدث .

فأخبرته بأني أخذت حبوب منع الحمل على الرغم من تحذيرات الصيدلانية ، ثم أخبرته بكلام الطبيبة النسائية وقلت:

-أرجوك لا تنفصل عني ، فلا أقدر على العيش بدونك .

حينها انهمرت دموعه وقال :

-سنذهب لكل أطباء المدينة لعلنا نجد العلاج عند أحدهم، وبعد سنوات من زيارة الأطباء ، يئست من الحمل فقلت له:

-لست مجبراً أن تحيا معي وأنا لا أنجب ، ليس ذنبك أن تُحرم من الأبوّة طيلة حياتك وأنا السبب ، طلقني وليعينني الله على الحياة من بعدك .

فقال لي بابتسامة مكسورة :

-حتى لو كنتِ السبب بحرماني من الأولاد لكني لن أستطيع التخلي عنكِ فأنتِ روحي ولا يستطيع أحد العيش بدون روحه.

أمضيت حياتي معه ومع عائلته بحب ومودة ، فلم يجرحني أحد منهم بالكلام ، لكن عيونهم التي كانت تشع حباً وحنان عندما يرونَ أولاد أخته ، كانت كفيلة بجعلي أعاني من الذنب وتأنيب الضمير طيلة حياتي ،غير رغبة الأمومة التي اجتاحت كياني منذ أن أحببته لكني حاولت كبحها بشق الأنفس .

حينها أيقنت أنَّ الحياة لا بدَّ أن تهبنا شيء وتأخذ منا شيئاً آخر ، وأنَّ لا مخلوق على وجه الأرض يشعر بالراحة في حياته .

انتهت

الصفحة السابقة 1 2 3 4

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى